تعتبر الإمارات مشروع «مسبار الأمل» لاستكشاف الكوكب الأحمر، نقطة تحول مهمة في مسيرة التنمية في الدولة، فهو بداية لترسيخ «تكنولوجيا الفضاء» كونه قطاعاً اقتصادياً رئيسياً للأعوام المقبلة، خصوصاً أن الدولة تهدف إلى أن تكون ضمن الدول الرائدة في هذا المجال على مستوى العالم مستقبلاً، وغالباً ما تقوم صناعة تكنولوجيات الفضاء عالمياً على برامج علمية، فيما تُقدر قيمة هذه الصناعة بنحو 300 مليار دولار، وبمعدل نمو يبلغ 8% سنوياً.
22 ملياراً
ويعد قطاع الفضاء الإماراتي الأكبر على مستوى المنطقة، من حيث الاستثمارات وحجم المشاريع، فضلاً عن عدد الشركات، التي تشتغل بالقطاع، ليصل حجم استثمارات الدولة فيه إلى أكثر من 22 ملياراً، ويشمل ذلك المشاريع الفضائية المختلفة، التي تتم بجهود المؤسسات والجهات العاملة والمشغلة له في الدولة، فيما بات من القطاعات الاستراتيجية في الإمارات، خصوصاً في ما يخص استكشاف الكواكب وتطوير تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية، إضافة إلى تطبيق أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الفضاء للاستخدامات الأرضية.
وتأتي هذه الاستثمارات والمشروعات الفضائية تأكيداً على أن تكنولوجيات الفضاء بالصعيد العالمي، أصبح لها دور مهم ومتصاعد في دعم اقتصادات الدول وأمنها، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من مقومات الحياة العصرية، بدءاً من الاتصالات والملاحة والبث، وانتهاء برصد أحوال الطقس والكوارث الطبيعية والتنبؤ بها.
ويمثل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» حجر زاوية لإنشاء صناعة تكنولوجيات الفضاء في الإمارات مستقبلاً، بكل ما سينتج عن ذلك من تطبيقات تقنية متطورة، تسهم في تطوير الاقتصاد الوطني، ولعل انفراد فريق عمل المسبار بتنفيذ 200 تصميم تكنولوجي علمي جديد، وتصنيع 66 قطعة من مكوناته في الإمارات، دليل ناصع على بدء ولوج الدولة هذا القطاع بقوة كبيرة، ويؤكد تنفيذ رؤية وطنية واضحة وشاملة في تعزيز إيجاد صناعة إماراتية فضائية لخدمة المشروعات الكثيرة الحالية والمستقبلية.
كفاءات وطنية
وانطلاقاً من هذه الرؤية الاستشرافية كان قرار الدولة بأن يتم التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» على يد فريق إماراتي، يعتمد أفراده على مهارات شبابنا واجتهادهم لاكتساب جميع المعارف ذات الصلة بعلوم استكشاف الفضاء وتطبيقها، استغلالاً لإمكاناتهم وخبراتهم، التي اكتسبوها ولا يزالون من مشروعات ومبادرات التعاون العلمي مع مختلف دول العالم المتخصصة في هذا القطاع.
وتأكيداً على ذلك فإنه لم يتم استيراد أي من التقنيات الرئيسية، التي يقوم عليها مشروع «مسبار الأمل» من الخارج، بل تم تصميم مكوناته وتصنيعها وتجميعها محلياً على يد خبرات وإمكانات محلية، أما المعرفة التقنية اللازمة لذلك، فقد بدأ تطويرها محلياً من خلال تدريب فريق المشروع من الشباب الإماراتيين عبر الشراكات الاستراتيجية مع جهات أكاديمية علمية، عوضاً عن توريد التقنيات من الوكالات والشركات العالمية المتخصصة في مجال الفضاء.
ونجح فريق «مسبار الأمل» الذي يتكون من 150 مهندساً ومهندسة وباحثاً وباحثة، من خلال هذه الإنجارات المساعدة في خفض ميزانية المشروع، التي تعد الأقل مقارنة بمشروعات مماثلة، والتي لم تتجاوز 200 مليون دولار، وتمثل فقط ثلث التكلفة للمشروعات الأخرى، ليعكس ذلك المجهودات الضخمة للدولة في البدء بتوطين الصناعات الفضائية، والدخول فيها خلال السنوات المقبلة بقوة.
وتعد الإمارات أول دولة عربية تقوم بتصنيع الأقمار الصناعية بشكل كامل، وذلك من خلال مجمع تصنيع الأقمار الصناعية ضمن «مركز محمد بن راشد للفضاء» دون الحاجة لإرساله إلى الخارج، لضمان عمله بالشكل السليم، ما يشكل إنجازاً وطنياً جديداً يضاف إلى سجل الدولة الحافل، فيما تمتلك الدولة أكبر عدد من الأقمار الصناعية على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا، يعزز من مكانتها مركز اًللأقمار الصناعية المتقدمة، وصلت إلى 10 أقمار، ومن المتوقع أن تبلغ 12 قمراً صناعياً قريباً، عبر إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية لأغراض تجارية وبحثية وعلمية.
استراتيجية وطنية
من جهتها أطلقت وكالة الإمارات للفضاء «الاستراتيجية الوطنية لقطاع الفضاء 2030»، وتستهدف تعزيز مساهمة القطاع الفضائي في الاقتصاد الوطني، ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة، والعمل على تحقيق 6 أهداف رئيسية من بينها، «تشكيل شراكات واستثمارات محلية وعالمية فاعلة في صناعة الفضاء»، و«تعزيز القدرات المحلية المتقدمة في البحث والتطوير والتصنيع لتكنولوجيا الفضاء».
وتعمل خطة الإمارات لتعزيز الاستثمار الفضائي على تحقيق مستهدفات رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071، الرامية أن تكون الدولة أفضل دول العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فيما ستسهم الخطة في تحقيق السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار واستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، عبر بناء اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية، التي تدمج أحدث التقنيات المادية والرقمية والحيوية.