في حوار خاص لمنصة أخبار سعادة كشفت الدكتورة ريم طارق المتولي المختصة في علوم هندسة الديكور و العمارة و الفنون الإسلامية أن نشأتها بين نساء وأطفال الأسرة الحاكمة في أبوظبي، لا تزال العديد من المواقف و اللحظات محفورة في ذاكرتها، حيث حظيت بمواقف لا تُنسى معهم،كما تعتز بها كثيرًا، وكشفت أنه في مطلع الثمانينيات، بدأت تدرك أن هناك علاقة خاصة تربطها بالحضارة العربية والإسلامية، خصوصًا من زاوية التراث والثقافة ، وهو المجال الذي أصبح لاحقًا شغفها ومجال عملها لأكثر من ثلاثة عقود.
وبالسؤال عن شغف الجمهور بمعرفتها و التطلع على سيرتها الذاتية؛ أجابت
أنا ابنة العراق، وزوجة وأم، شاءت الأقدار أن أستقر مع أسرتي في أبوظبي منذ أن كنت في الخامسة من عمري، وذلك في أواخر ستينيات القرن الماضي، في تلك الفترة، عُيّن والدي، الدكتور طارق المتولي، مستشارًا اقتصاديًا لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، حين كان ولي عهد أبوظبي.
وتابعت نشأت بين نساء وأطفال الأسرة الحاكمة في أبوظبي، ولا تزال ذاكرتي عامرة بلحظات دافئة ومواقف لا تُنسى معهم، أعتز بها كثيرًا، بدأت مسيرتي المهنية في المجمع الثقافي في أبوظبي، الذي خُطّط له بدايةً ليكون مكتبة عامة، وساهمت في تأسيس قسمي الفنون والثقافة فيه، ثم توليت مسؤولية الإشراف على البرامج الفنية التي شملت المعارض، العروض المتحفية، الندوات، والمحاضرات، إلى جانب فعاليات ثقافية وفنية متنوعة.
تطور شغفي بالفنون ليُصبح حجر الزاوية في مسيرتي، فتوسّعت اهتماماتي لتشمل مجالات متعددة ضمن الإطار الثقافي نفسه؛ عملت قيّمة ومقتنية لأعمال فنية وتراثية، وشغلت منصب مستشارة لدى دار المزادات العالمية "كريستيز" ، وأشرفت على مجموعات خاصة ونادرة لعدد من جامعي التحف الفنية.
إلى جانب ذلك، واصلت عملي الخاص كمصممة للديكور والأزياء التراثية، إلى أن أسّست مؤخرًا مبادرة زَيّ، وهي مشروع ثقافي غير ربحي يُعنى بتوثيق وفهم تطوّر الأزياء والثقافات الإقليمية في العالم العربي، وبناء الوعي العام بها، وتقدير التنوع الغني الذي تحتويه، كما كتبت على مدى سنوات مقالة أسبوعية بعنوان "زَيّ" في مجلة زهرة الخليج، تناولت فيها أزياء الشعوب، إلى جانب مقالة شهرية عن التصميم والديكور والفن الإسلامي في النسخة العربية من هاربر بازار، ولي العديد من الكتب مثل قصر الحصن و سلطاني و بحث في أزياء النساء في الإمارات خلال حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله .
وبالسؤال عن كيف استطاعت الموازنة بين الأدوار الأسرية والمهنية ؟
قالت: "الموازنة بين أدواري كأم وباحثة ومصممة لم تكن سهلة، لكنها كانت ممكنة بفضل الشغف، والدعم، والتنظيم، لطالما رأيت أن كل دور يُغني الآخر ، فالأمومة منحتني حسًّا أعمق بالتفاصيل الإنسانية، بينما عمّقت الدراسات والبحث في العمارة الإسلامية إدراكي للجمال المتجذّر في التاريخ والهوية، وهو ما انعكس بدوره على تصاميمي.
التحدي كان في إدارة الوقت وتحديد الأولويات، لكنني آمنت دائمًا بأن النجاح لا يعني التضحية بأحد الجوانب، بل إيجاد تناغم بينها، وقد كان دعم زوجي والعائلة، خاصة في المراحل المفصلية، عاملاً أساسيًا في قدرتي على الاستمرار والتطور في كلا المسارين، وفي نهاية المطاف، كان الشغف بما أقوم به هو الوقود الحقيقي سواء في تربية إبنتي أو في الغوص في عمق العمارة الإسلامية بفكر معاصر يربط بين الماضي والحاضر.
العمارة الإسلامية ليست مجرد بناء، بل هي فلسفة وهوية، وبالسؤال عن انعكاس هذا الطابع في ظل الحداثة المستعارة؟
صرحت أن العمارة الإسلامية ليست مجرد أنماط أو زخارف، بل هي تعبير عميق عن فلسفة وهوية متجذّرة في القيم الروحية، والعلاقة المتوازنة بين الإنسان والبيئة. فهي تنبع من مبادئ تتجاوز الشكل إلى المضمون، مثل: النسب الهندسية التي تعكس مفهوم التناسق الكوني والاتساق الجمالي، الخصوصية من خلال حلول معمارية كالأفنية الداخلية والمشربيات، الاستدامة التي تُترجم باستخدام المواد المحلية، والاعتماد على التهوية الطبيعية والإضاءة المدروسة.
لكن في ظل ما يُسمى بـ"الحداثة المستعارة" ، نلاحظ أن الكثير من المشاريع المعمارية في العالم العربي تتجه نحو تقليد النموذج الغربي بشكل سطحي، على حساب المعاني العميقة التي كانت تميز العمارة الإسلامية، مما يؤدي إلى فقدان الهوية البصرية والثقافية.
من هنا، أحرص في مشاريعي على إعادة قراءة هذه المبادئ برؤية معاصرة؛ لا بهدف تكرار الماضي، بل لاستلهامه. أدمج بين التقنيات الحديثة والروح الإسلامية والعربية، من خلال تصميمات تُعيد تفسير العناصر التقليدية: كمشربيات تُنفّذ بمواد معاصرة، أو أفنية داخلية توظَّف كمساحات تنفس وخصوصية ضمن السياق الحضري الحديث.
إن التحدي الحقيقي ليس في الاختيار بين الحداثة والأصالة، بل في خلق حوار خلّاق بينهما يحترم جذورنا ويواكب تطلعاتنا.
وبالسؤال عن إشرافها على تكوين المجموعة الفنية الخاصة بمقتنيات سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ماذاكانت تعني لها هذه التجربة؟
كشفت لمنصة أخبار سعادة أن العمل على هذه المجموعة امتيازًا شخصياً، تجاوز حدود العمل ليصبح التزامًا عميقًا نما مع الزمن، ونبع من صداقة طفولة راسخة جمعتني بسمو الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، حرم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، صداقة تشاركنا فيها شغفًا مشتركًا بالفنون الجميلة والتصميم وروابط ثقافية وفكرية متعددة.
وبالسؤال عن عملها كمستشارة في العمارة الإسلامية والتراث، ما هي الرسالة التي تسعى إلى ترسيخها في مشاريعها؟ وكيف ترى دور المرأة الإماراتية في صون الإرث الثقافي والمعماري؟
كان جواب دكتورة ريم المتولي، من خلال عملي كمستشارة في العمارة الإسلامية والتراث، أسعى إلى ترسيخ قناعة مفادها أن الهوية ليست عائقًا أمام الحداثة، بل مصدر إلهام لها، أؤمن أن بإمكاننا تقديم عمارة وتصميم معاصر يحملان روح الأصالة، من خلال:دمج العناصر التقليدية في التصاميم العمرانية الحديثة بأسلوب يوازن بين الجمال والوظيفة، بجانب توثيق وإحياء الحرف اليدوية الإماراتية، كالسدو والتلي، باعتبارها تعبيرًا حسيًّا عن تاريخنا الثقافي، و تطبيق مبادئ الاستدامة الكامنة في العمارة الإسلامية، مثل استخدام المواد المحلية، وحلول التهوية الطبيعية التي ثبتت جدواها عبر قرون.
وتابعت حديثها تجسّد مبادرة "الزّيّ" امتدادًا لهذا المسار؛ فمن خلال جمعي لملابس تراثية تاريخية على مدى عقود، أسّست مجموعة فريدة تُوثّق الأزياء التقليدية الإماراتية، إلى جانب أمثلة من العالم العربي الأوسع.
و عن دور المرأة الإماراتية، قالت فهو ركيزة أساسية في صون الإرث الثقافي والمعماري ، المرأة كانت دائمًا حارسة للتراث، سواء من خلال الحرف التي تناقلتها الأمهات والجدات، أو من خلال مشاركتها اليوم في الأبحاث، والتعليم، والترميم، والتصميم، نراها اليوم في قلب المشاريع الثقافية والمبادرات الوطنية، تصوغ من الهوية وسيلة تمكين، لا قيدًا.
وفي الختام، عبرت قائلة إن العمارة الإسلامية، والتراث عمومًا، "جسر بين الأصالة والابتكار" فهما مساحة خصبة للابتكار الواعي، وأختتمت حوارها بقولها " أدعو الأجيال الجديدة إلى التفاعل مع هذا الإرث بروح نقدية ومبدعة، ليكونوا بناة مستقبل متجذر في العمق ومتصل بالعالم".