قد تمرّ آلام بسيطة في اللثة أو إحساس بالجفاف دون اهتمام كبير، لكنها لدى المصابين بالسكري قد تكون مؤشرًا على مشكلات أوسع تأثيرًا مما تبدو عليه.
فبينما تحظى أعضاء مثل القلب والكلى والعينين بالنصيب الأكبر من المتابعة الطبية، يبقى الفم غالباً خارج دائرة التركيز رغم كونه من أكثر المناطق حساسية تجاه تغيرات المرض.
ومع توقع ارتفاع عدد المصابين بالسكري عالمياً إلى 853 مليون شخص بحلول عام 2050، يشير مختصون إلى أهمية فهم العلاقة المتبادلة بين صحة الفم واستقرار مستويات السكر في الدم، وهي علاقة تتعدى الجانب الجمالي لتنعكس على الصحة العامة وجودة الحياة، وفقاً لما أورده تقرير لموقع "ScienceAlert".
كيف يؤثر السكري على الفم؟
ارتفاع مستويات السكر لفترات طويلة يضعف الأوعية الدموية والأعصاب ويقلل كفاءة الجهاز المناعي، ما يجعل الفم بما يحتويه من أنسجة وبكتيريا طبيعية أكثر عرضة للمضاعفات.
وتشمل هذه المشكلات جفاف الفم نتيجة نقص اللعاب، وزيادة احتمالات تسوس الأسنان، وأمراض اللثة وما يصاحبها من التهابات وفقدان العظم، إضافة إلى الالتهابات الفطرية وصعوبات ارتداء أطقم الأسنان وتراجع القدرة على التذوق، وقد يصل الأمر إلى فقدان الأسنان.
هذه الأعراض قد تؤثر على التغذية والثقة بالنفس، كما يمكن أن تصعّب التحكم في نسبة السكر، مما يزيد من تعقيد الحالة الصحية.
نتائج بحثية حديثة
أظهرت دراسة للباحثة البريطانية أيلين بايسان وجود ارتباط واضح بين السكري من النوع الثاني وتفاقم تسوس الأسنان، إذ يؤدي ارتفاع السكر وتغير خصائص اللعاب إلى تسريع تدهور الأسنان، وتشير الباحثة إلى أن هذا الجانب لا يحظى بالاهتمام الكافي من بعض مقدمي الرعاية الصحية، مما يسمح بحدوث مشكلات يمكن منعها إذا جرى التعامل معها مبكراً.
علاقة متبادلة
يُعد مرض اللثة من أكثر المضاعفات شيوعاً بين مرضى السكري، وتبدو العلاقة بينهما في اتجاهين؛ فارتفاع السكر يعزز نمو البكتيريا المسببة لالتهاب اللثة، بينما يسهم التهاب اللثة المتقدم في صعوبة ضبط مستويات السكر، ومع اشتداد الالتهاب قد تصبح الأسنان غير مستقرة أو تُفقد، لكن تحسين مستويات السكر والالتزام بالعناية الفموية يسهمان في الحد من تطور المشكلة.
ويشير المختصون إلى أن نحو خمس السكان يعانون جفاف الفم، وترتفع النسبة لدى المصابين بالسكري، كما قد تزيد بعض الأدوية من المشكلة، ويُعد اللعاب عنصرًا أساسيًا في حماية الأسنان عبر إزالة بقايا الطعام وتعديل الحموضة ودعم إعادة تمعدن الأسنان، لذلك فإن نقصه يجعل الفم أكثر عرضة للتسوس والالتهابات، خاصة لدى مستخدمي أطقم الأسنان.
خيارات علاجية بشروط
ورغم توفر خيار زراعة الأسنان لتعويض المفقود منها، فإن نجاح العملية يرتبط مباشرة بقدرة المريض على التحكم في السكر، إذ إن ارتفاعه يبطئ شفاء الجروح ويزيد خطر الالتهابات ويؤثر في التحام الزرعة بالعظم، ولهذا يُفحص كل مريض بدقة قبل اتخاذ القرار.
وتوضح بايسان أن تحسين العناية الفموية يسهم في تناول الطعام بشكل أفضل، ويساعد على التحكم في مستويات السكر، ما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة، وتشمل توصياتها تنظيف الأسنان مرتين يومياً بمعجون يحتوي على الفلورايد، والمتابعة المنتظمة لدى طبيب الأسنان، والعناية الخاصة بأطقم الأسنان، ومعالجة الجفاف بوسائل مناسبة، إلى جانب الحرص على ضبط مستويات السكر.
وتختتم بالتأكيد على أن تعزيز الوعي يمثل خطوة أساسية في الحد من تداخل المضاعفات بين السكري ومشكلات الفم، مضيفة أن صحة الفم جزء مهم من الرعاية الشاملة لمرضى السكري.